نقد نقد العقل العربي

نقد النقد ليس ظاهرة جديدة في الثقافة العربية الحديثة. فكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين استتبع نحواً من عشرين رداً، كذلك وجد من يرد على "الاسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق بكتب كاملة. هذا التقليد هو ما يحاول جورج طرابيشي اسئنافه في نقده "نقد العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، ولكن من منظور مباين جذرياً. فكتاب طه حسين أو علي عبد الرازق جرى رفضه من  قبل نقّاده ل"تقدمه" ولمضمونه الذي اعتبر ماسّاً ببعض الموروثات "الثابتة" للثقافة العربية الاسلامية. ومن ثم فإن الردود جاءت كلها من وجهة نظر الماضي المطلوب استبعاده من دائرة التشريح النقدي . وفي المقابل، فإن نقد النقد الذي يحاوله مؤلف "نظرية العقل" ليس دفاعياً. فمأخذه الأساسي على نقد الجابري كونه غير نقدي. فالقراءة الجابرية للعقل العربي باتت تمثل في نظره "عقبة إبستمولوجية". فالجابري قد أسر العقل العربي في إشكاليات مغلقة. وما لم يجر تفكيك هذه الإشكاليات، فإن أية مناقشة للنتائج والأحكام التي انتهى اليها مؤلف "تكوين العقل العربي" و "بنية العقل العربي" ستظل تدور كما لو على  محور فارغ. من هذه الاشكاليات المطلوب تفكيكها قبل محاولة استخلاص أجوبة جديدة: إشكالية "العقل المكوّن والعقل المكوّن"، وإشكالية "التفكير بالعقل والتفكير في العقل"، وإشكالية التوزيع الثلاثي للأنظمة المعرفية الى "برهان وبيان وعرفان"، واشكالية "العقلانية المغربية واللاعقلانية المشرقية"، وإشكالية "الهوية الضدية" للعقل العربي بالمقابلة مع العقل اليوناني القديم والعقل الغربي الحديث

"نظرية العقل" هو الحلقة الولى في مشروع متعدد الحلقات لإعادة قراءة العقل العربي الاسلامي في فضائه الثقافي الخاص، وفي استمراريته - كما في قطعه - مع العقول الحضارية السابقة واللاحقة